مقام العلم في نهج البلاغة:ج١: مقدمة:بقلم الكاتب والباحث : د. غسان صالح عبدالله

مقام العلم في نهج البلاغة:

ج١: مقدمة:

العلم كلمة مفتوحة الأبعاد تبدأ من التعرف على النفس؛ ومن ثم التعرف على الشيء ..فأي علم نننشد؟

إذا كنا نسعى إلى أن نصل إلى غاية من غايات المعرفة علينا أن نعرف أن المعرفة تعتمد بشكل رئيس على العلم، فالعلم متجه بكل عناصره إلى الغاية المرجوة منه وبالتالي فكل علم يحتاج إلى الدراية والحكمة ؛ وتعدد العلوم بتعدد وسائلها وغاياتها ومصادرها

قال الإمام الصادق ع: أصل كل حال سَنّي ومنتهى كل منزلة رفيعة ..

وقال النبي الكريم ص: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة اي علم التقوى واليقين .

وقال عليه السلام: اطلبوا العلم ولو بالصين : فهو علم معرفة النفس وفيه يعرف الرب عز وجل..

وقال النبي ص: نعوذ بالله من علم لا ينفع وهو العلم الذي يضاد العمل بالإخلاص.

والعلم يحتاج إلى كثير من العمل..وقال الصالح العلم لا يقوم إلا بالعمل..

قال عيسى ع: من لا يعلم بعمل يعمل مشؤوم عليه طلب مالا يعلم ومردود عليه ماعلم..

ليس لله طريق يسلك إلا بالعلم ؛ والعلم زين المرء في الدنيا والآخرة وسائقه إلى الجنة وبه يصل إلى رضوان الله تعالى..

والعالم حقا هو الذي تنطق فيه أعماله الصالحة وأوراده الذكية وصدقه وتقواه ؛ ولقد كان يطلب هذا العلم من كان فيه عقل ونسك وحكمة وحياء وخشية؛ والعالم يحتاج إلى عقل ورفق وشفقة ونصح وحلم وصبر وقناعة وبذل..

والمتعلم يحتاج إلى رغبة وإرادة وفراغ ونسك وخشية وحفظ وحزم.

قال الإمام علي ع: إن أرزل الله عبدا حظر عليه العلم ..

فالعلم كلمة تتخذ معناها أما من طريقة الحصول عليها او من غايتها ؛ او من وسيلتها ؛ فلذلك تقول: علم الكيمياء ؛ علم الجبر؛ علم الفلسفة ؛ علم الكلام ؛ علم الباطن والظاهر الخ

علم الطبيعة: وهو حركة العقل من قراءة ظواهر الطبيعة التي تجري على مادة الطبيعة وغير المادة المحسوسة واكتشاف القوى الموجودة في الطبيعة وخضوعها لحركة العقل..

العلم اللدني” التكويني” وهذا العلم حصل بدون جهد ؛ ويمكن أن نقول عنه علم الإلهام او الوحي ..يشير القرآن الكريم على أن الله أعطى آدم علم الكون لقوله ( وعلم آدم الأسماء الحسنى” فمن الحكمة الإلهية أن يعلمه كل طرق المعرفة ووسائل الحصول عليها ليعلم من جاء بعده بالتتابع وليس معرفة الأسماء فقط كما يفسره البعض.. وهذا العلم التكويني مرتبط ارتباطا وثيقا لكن الإلهية بلا سبب أو علة وإنما بمشيئة وإرادة الخالق فكان علمه علما تكوينيا مترافقا مع كل الأنبياء والرسل..

فالعلم التكويني عرّفه الكاشاني بقوله: العلم اللدني يراد به العلم الحاصل من غير كسب ولا تعمل للعبد فيه سمي لدنيا لكونه يحصل من لدن ربنا لا من كسبنا قال تعالى.. وعلمناه من لدنا علما..

أما من جهة العلوم الأخرى

قال أمير المؤمنين ع:

لو وضعت لي وسادة وجلست عليها لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم ولأهل الإنجيل بإنجيلهم ولأهل القرآن بقرآنهم ..

وهذا العلم لا يحتاج إلى العلم الإكتسابي ” الله نور السموات والأرض…..”

العلم الإلهامي: قال الإمام ع: اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله جعل الحق على ألسنتهم ؛ وهذه العلوم تحتاج إلى جهاد واستعداد وعلمية وعقلية وسلوكية يخلص فيها الملهم إلى الله وحده ويبقى مرتبطا ارتباطا وثيقا في العلم التحصيلي الإكتسابي ؛ وسمي هذا العلم بالإشراقي : أي إشراق النور الإلهي على قلبه نسبة إلى شروق الشمس من جهة الشرق ؛ فالشمس مصدر النور الأرضي فتضيء بنورها الأرض ؛ والإشراقي نسبة إلى النور الإلهي الذي يشرق على القلوب المنيرة بنور الله لتعم الرحمة علة كل مخلوق ؛ تلك الحالة يعرفها أصحاب الذوق في علم العرفان ؛ ويكون قلبه ونفسه وسلوكه أمكنة ظاهرة صالحة لتقبل هذا الإلهام ..

يقول البرفسور وهوستن سميث :

ومن علامات التوافق والإنسجام الجيد؛ الشعور بأن الحياة والعالم لهما معنى وعندما يكون التوافق تماما فإن طاقات الكون تصب في المؤمن وتمنحه قوة هائلة ؛ وتدرك روح الإنسان أنها تنتمي للمطلق ؛ وإن المطلق يؤيدها ويدعهما ..

المطلق ” الله سبحانه” ولكن كيف يصل الإنسان إلى الحالة التي ينتمي فيها إلى الله ..فقال هوستن: تحتاج العقول لبيئة ملائمة للفهم الصحيح تماما كما تحتاج الكائنات العضوية للبيئة الملائمة لوجودها ونموها..

كما أن الله سبحانه ألهم أنفسنا الصلاح والخير بفطرتنا التي فطرنا عليها ؛ والإبداع حالة اختراع صور جديدة لم يكن لها مثيل أو شبيه

في صوره العقلية المخزنة في الذاكرة.

إن ما يعيد الكيان الإنساني والإنسان لا يتوقف

على علوم الدين فقط لأن العلم الديني يجب أن يتخذ من العلم الطبيعي سلما معرفيا له كعلم الفلسفة والعلوم الأخرى..

قال الإمام ع: لا تجعلوا علمكم جهلا ؛ ويقينكم شكا؛ إذا علمتم فاعملوا وإذا تيقنتم فاقدموا

فلا يجب ان يتوقف العلم عند حد من العلوم للوصول إلى الغاية السامية التي يجب أن يسعى إليها كل إنسان فعلم الفلسفة والمنطق وعلم الكلام والرياضيات والفلك كلها تسمو بالعقل للوصول إلى الغاية..

روى أبو حيان التوحيدي عن سيده الإمام الصادق ع:

حدّ علم الدنيا انه العلم النافع والضار وما جلب من المنافع منها وأعان فيه ودفع المضار أو أعان على ما تدفع به..

وحد علم الدنيا الشريف هو العلم بما اغنى الإنسان عن جميع الناس في قوام حياته الجيدة..

وحد علم الدنيا الوضيع هو العلم بما يوصل إلى اللذات والمنافع وحفظ الحياة قبل الموت..

وحد علم الصانع انه العلم بما يحتاج إليه الناس في منافع دنياهم..

وحد علم الصنائع المحتاج إليها للكفاية والمعونة علم الدنيا الشريف هو العلم بما يتوصل به مع إقامة الحياة على استفادة فضل كاف فيما يراد من المعونة على العلم الشريف كغاية جزئية أو كلية..

العلم بكل اشكاله وانواعه ينظر إلى صلاحه من حيث غايته وكل علم يتجه نحو سمو الإنسان في بشريته ؛ فإن تحققت الغاية من العلوم صلح الإنسان بعودته إلى إنسانيته التي فرت منه هاربة من جهله وجوره.

الفقير لله: غسان صالح عبدالله

أضف تعليق

Hey!

I’m Bedrock. Discover the ultimate Minetest resource – your go-to guide for expert tutorials, stunning mods, and exclusive stories. Elevate your game with insider knowledge and tips from seasoned Minetest enthusiasts.

Join the club

Stay updated with our latest tips and other news by joining our newsletter.

التصنيفات

الوسوم

روابط

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ