الإنسان في نهج البلاغةج٣// بقلم الكاتب والباحث : د. غسان صالح عبدالله

الإنسان في نهج البلاغة
ج٣
وحب الذات في ” الأنا” مرتكز على اسس الإنفراد بما وهب الله للإنسان ؛ وكأنه المخلوق الوحيد في هذا الكون ويجري فيها التفضيل لعلة الأعراض في الشكل واللون والجنس..
أي تفضيل الأعراض التي تلتحق بالكيان الإنساني المخلوق بأحسن تقويم ؛ وكذلك التفاضل عند” الأنا” جمع منه وعليها بما لا ينفعها لو مال العقل قليلا لكشف سرها ..
من ارتضى وروّض نفسه تخلص من ” الأنا” الأخرى في داخله التي تشده إلى اسفل سافلين حتى في اعين اصحاب الفكر المادي ؛ فما من عامل من اي فكر كان إلا ويكره الجشع والطمع والحسد بأن يسيطر على النفس ؛ فعليه أن يتعلق بحبل الخلاص في ” أنا” الإنسان المخلوق بأحسن تقويم وهو حقيقة وجوده وأسّ عناصره الإختلاف لا الخلاف ؛ فالإختلاف قائم في داخل الإنسان سواء من حيث تكوينه المادي” الجسد”
والمعنوي ” النفس والعقل”..فمن حيث تكوين الجسد فلكل عضو فيه مهمة أوكلت له لا يتعدى على عضو آخر بالإقصاء أو بأية صيغة كانت ؛ ولكنه يساعده لبلوغ الهدف ؛ ولو حصل خلاف بالأصل في تكوينه لفقأت العين العين حسدا ..الخ
إن الإختلاف في المجتمعات ضرورة قائمة على الإختلاف بالدرجات وفق معطيات السلوك الإنساني القلبي والوجودي ؛ والإختلاف والخلاف يجب أن يحكمه العقل لا اليد ولا الرجل كما يفعل الحيوان..
والخلاف حالة تصور عقلي من فهم حكمة الخالق في الإختلاف ليكمل الوجود بالإنسان؛ والخلاف يهدّم بنيان الإنسان وكذلك المجتمعات وكلما بعدت الأفراد عن حكمة الخالق في الإختلاف تحول الفرد إلى حاكم وكل الآخرين محكومون برأيه وقوله وفعله ؛ وليس لإنسان أن يدعي السيادة في هذا المقام ؛ وإنما الغرائز هي الفاعلة بالخلاف؛ والعقل هو الفاعل بالإختلاف..
فمن تغلب على” الأنا ” الأخرى في نفسه امتدت ” أنا” الإنسان فيه إلى ” انا” الإنسان في الآخر من حيث الهيكل الوجودي ليكون” نحن” المجتمع الإنساني.
فلكل من أنا الإنسان المتمثل بالعقل والمعرفة والعلم والحكمة جنود تأخذ بيده إلى عالم الإنسان كما اراده مبدعه؛ وكذلك” الأنا” جنود مجندة تشد به إلى القهقري باتجاه طباعه وغرائزه المنفلتة من رباط العقل والعلم والحكمة ..
” أنا” الإنسان تتجه بصاحبها بفاعلية العقل والإرادة إلى الكمال الممكن المطلوب في داخل كل ذي عقل ؛ والكمال أمل وامنية يرجوها الإنسان في خلده ؛ وإن لم يستطع بلوغ كمالها لعجز في طالبها ؛ لكنه يسير في طريق آثارها ويكتشف معالمها بالمعرفة والثبات في الإتجاه بواقع الحكمة..
قلنا” انا” الإنسان قائدها العقل وميزاتها السجية ؛ ومحورها الفطرة؛ وعناصرها جنودها
جنودها في ذواتها ” قد افلح من زكاها” وكذلك” الأنا” التي يتحكم بها الجهل؛ وللجهل جنود مجندة تقود صاحبها في المسالك المظلمة وتغلق بابها بالتعلق بمفاتيح أمانيها في الخلود من باب خفي يشير إليه سلوكها ؛ فكان جنودها” أنا” هي جنود العقل وجنود ” الأنا” جنود الجهل ” قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ..مابين الفلاح والمعصية ؛ كما هو بين الشيء وضده ؛ أو الصفة وضدها ؛ وما بين تلك الأشياء وأضدادها مسار طويل فيه الكثير من شعب النور؛ ومسالك الظلمة ؛ فمن سار في شعب النور مطالب بأن يحافظ على ثبات اتجاهه بعمله ؛ ومن سار في مسالك الظلمة أوصد أبواب النور في قلبه لكنها لا تغلق ؛ ولو أغلقت لما كان أحد من المنظرين ؛ ولما طولبت بالتوبة والإستغفار ؛ وضمنت له الإستجابة إن كان صادقة في توبتها؛ وخرج صاحبها من مسالك الظلمة راغبا الدخول تحت ظلال النور؛ ثابتا في توجهه بعد التوبة ؛ لا بل تقتحم الأنوار قلبه فتصدها وحشة الظلمة في القلب؛ وتستمر المجادلة ليحصل الإستغفار لمن رغب في التحول ؛ وكل عمل فيه تحول المسار يحتاج إلى جهد يفوق المعتاد من الأعمال ؛ ولكونها أعمال داخلية فمحاربتها والإنتصار عليها جهاد كبير ؛ وهو أس كل جهاد فما هو هذا الجهاد؟؟
فإن بنينا النفس بنينا الإنسان المخلوق بأحسن تقويم؛ وتحول الإنسان الفرد إلى الإنسان الجمعي فتبنى الاوطان ببناء الإنسان ؛ محاولة تستحق المغامرة والجهاد…
نتابع بالجزء الرابع…

د.غسان صالح عبدالله

أضف تعليق

Hey!

I’m Bedrock. Discover the ultimate Minetest resource – your go-to guide for expert tutorials, stunning mods, and exclusive stories. Elevate your game with insider knowledge and tips from seasoned Minetest enthusiasts.

Join the club

Stay updated with our latest tips and other news by joining our newsletter.

التصنيفات

الوسوم

روابط

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ