من دروس الحياة
كذبة الانشغال ( ٦)
غالبا ما تكون البديات جميلة ورائعة، تحفل بالحب، بالاشتياق، بالاهتمام، يقسمون لك بالصدق ويعاهدونك بالوفاء، يخبروك أنك أول أولوياتهم وأنك تشغل الحيز الأكبر في حياتهم
جميع أمورهم في كفة، وانت حصتك لوحدك كفة، ينشغلون عليك إذا غبت حد الجنون، يبحثون على وسيلة توصلهم إليك، أو يسألون شخص ليطمئنوا عليك، يلومونك لأنك تأخرت بالاتصال بهم، ثم يأخذون نفسا عميقا ويحمدون الله لأنك بخير، فإذا حضرت لم يتركوك أبدا يأنسون بالحديث معك، وإذا اضطروا للمغادرة استأذنوك أو خيروك على البقاء معك أو الذهاب لقضاء أمورهم الخاصة، ترى بتصرفاتهم صدق حديثهم، فيطمأن قلبك لهم، وترتاح النفس لتصرفاتهم، إلى أن يكسبوك إلى جانبهم، وتميل روحك لهم، ويعلقون قلبك بهم، ثم اذا ضمنوا بقاءك معهم وتأكدوا من حبك لهم، تبدأ لعبة الانشغال، وكذبة الارتباط بكثير من الأعمال، وتظهر حجج الظروف، يبدأ الإهمال، الذي يصل بهم لدرجة أنهم لا يرونك أمامهم، يجعلونك آخر احتمالاتهم وآخر أعمالهم، يتلاشى الاهتمام، وتوصد بوجهك نوافذ الكلام، يهملون حتى سؤالك عنهم، تسأل ولا يجيبون تكتب ولا يقرؤون، يتلبدون وراء أعذارهم الواهية، يتقمصون دور المنشغل طول النهار، ثم يلومونك على عتابهم، ويخلقون لك أخطاء لم تقترفها وافعال لم تفعلها، يراوغون في الكلام، يتصروفون معك كأنك طفل لا يفقه شيء مما يدور من حوله، لا يعرف الصح من الخطأ، أو الحقيقة من الأوهام، أو بقرارة عقولهم يعتبرونك ساذجا تنطلي عليك أعذارهم وتوهمك أسبابهم الواهية، أصبحنا في عالم متلون كالحربا، فإياكم والإفراط بمشاعركم، لا تمنحوا كل أوقاتكم، ولا تهبوا نبض قلوبكم، إياكم أن تعطوا كل أشياءكم لمن لا يهبكم شيء، لا تأمنوا كل من ادعى الود، واعترف لكم بالحب، دعوا التجارب والمواقف تغربلهم، فكثير منهم يسقط عندما يهتز الغربيل، يسقطوا من العين، ويغادروا الروح، تاركين ورائهم حفنة من جراح ، حينها تكتشفوا أن علاقاتهم مجرد نزوة، وسرعان من تتلاشى النزوات، اختبروا من تتعاملون معهم، قبل أن تثقوا بالبدايات، فحقيقة الأشخاص بمواقفهم بأفعالهم، وجمال العلاقات في النهايات لا في البدايات. ففي بادئ الأمر الكل مخلص ووفي، في بادئ الأمر الكل يرتدي قناع المثالية، يصور نفسه عنترة لعبلة، وقيس لليلى، وكثير لعزة، لكن النهايات هي تكشف الصالح من الطالح.
بقلم
(ابنة الفراتين)
سندس البصري ابو حسين



أضف تعليق