بلدنا احلى /بقلم المبدع د. عبده داود

بلدنا أحلى
قصة قصيرة
حزيران 2022
دقت اجراس الكنيسة تدعوا الناس لمناقشة أمر يهم بلدتهم. حدث جديد لم يسبق أن ناقشوه أو حتى فكروا فيه يوماَ.
جاء الناس من كل انحاء القرية، وهم يعرفون أهمية الاجتماع مسبقاَ، لقد شاعت الأخبار في البلدة، والناس كانوا يحكون في الأمر، ويطرحون افكارا مختلفة.
عادة الناس يدخلون إلى الكنيسة بلباسهم الرسمي، خاشعين، يرسمون اشارة الصليب عند دخولهم برقي.
هذه المرة دخل الناس إلى الكنيسة بلباسهم العادي، وبشيء من الفوضى، يتجادلون بصخب عالي.
الحضور اليوم ليس بشأن قداس أو موعظة. وليس له ارتباط بأي نوع من انواع الصلوات. انه اجتماع ضروري لكل أهل البلدة، بشأن موضوع مصيري لضيعتهم…
جلس كبار السن ووجهاء البلدة في المقاعد الأمامية. وجلست النساء في قسم خصصوه لأنفسهم، وتوزع الشباب بشكل عشوائي في أنحاء الكنيسة.
أخيرا ظهر الكاهن بلباسه العادي، لم تتقدمه الشموع، كما هي العادة في الطقوس المعتادة، كل الامور بدت هذا اليوم مختلفة .
نظر الكاهن إلى الرعية، وأشار بيده يطلب من الحضور الالتزام بالهدوء…أخذ الضجيج يخمد تدريجيا، بعدها استطاع الكاهن أن يتكلم…
قال: كما تعلمون، بلدتنا تشكو نقص كبير في المواد الغذائية، وأصبحنا مهددين بالمجاعة، ولا يوجد في الأفق بوادر مبشرة بالخير، الأمطار قاطعتنا منذ سنوات، ونتيجة الغلاء أموالنا لم تعد تكفينا لشراء طعامنا، ولا حتى لشراء علف لمواشينا، وأشجارنا كما ترون دب اليباس في أغلبها…
ولذلك كان لا بد من أخذ قرار حاسم بشأن هذا الأمر، بعد المشاورات مع العددين منكم، كبار أهل بلدتنا الحاضرين الآن بيننا، تدارسنا الأوضاع السائدة بشفافية وواقعية، وبنتيجة الحوارات، أقول بمرارة أخذنا قرارا صعبا رغما عنا: علينا أن نهاجر إلى منطقة يتوفر فيها الغذاء لنا، والعلف لمواشينا… ولذلك يتوجب علينا أن نرسل مجموعة من الشباب المختارين، ليبحثوا لنا عن منطقة نرحل اليها، ولا بد لنا، هطلت دموع الكاهن ولم يستطع متابعة كلامه، وساد صمت، وغادر الناس بدون تعليقات على الأمر…
رحل خمسة عشر شابا على ظهور الخيل، مودعين من قبل أهاليهم، وناس ضيعتهم بالبكاء والدموع … بحثا عن الفردوس المنتظر.
كان الشباب كلما وصلوا إلى منطقة يظنونها هي المناسبة، يحطون فيها الرحال… ينصبون فيها خيامهم، ثم يذهبون للاستكشاف والاستطلاع، وبعد مناقشات فيما بينهم، كانوا يتفقون على أن بلدهم هو أحلى من هذا المكان… وينتقلون إلى منطقة أخرى، ويخرجون بالنتيجة ذاتها… ومضت فترة طويلة من الزمن، والشباب ينتقلون من منطقة إلى أخرى إلى أن وصلوا إلى مكان، بهتوا جميعا بجماله: وقالوا هذه هي الأرض المنشودة التي نبحث عنها، هذا هو المكان المقصود والرائع، هنا ستسعدنا الحياة وتسعد أهالينا. الحمد لله وأخيرا وجدنا مبتغانا، لقد تحقق حلمنا. لقد وجدناه المكان وجدنا مبتغانا، وكم سيفرح ابناء ضيعتنا…
توغل الشباب في الأرض التي أعجبتهم وحققت احلامهم… وكم كانت دهشتهم واستغرابهم شديدين، بالكاد صدقواذواتهم…
عندما اكتشفوا انهم في بلادهم وديارهم التي هاجروا منها. وتساءلوا غريب كيف حصل هذا أخبرهم الناس بأن المطر قد عاد لبلدهم، وروى الأراضي، وعادت الأشجار للحياة، وشبعت المواشي…وغردت الطيور من جديد، وعادت الحياة الجميلة الى البلد…
استقبل أهل البلدة وفي مقدمتهم خوري الضيعة، الوافدين بالزغاريد والأهازيج والطبول والزمور بعد أن طال غيابهم، وانقطعت اخبارهم… ودقت أجراس الكنيسة تدعوا أهل البلدة إلى اجتماع ليسمعوا الأخبار، دخل الناس الكنيسة ملهوفين لسماع قصص شباب ضيعتهم… وقف الخوري ووقف على جانبيه الشباب الذين قاموا في رحلة الاستكشاف، وهدأت الأصوات، الجميع متلهفون لسماع اخبار الرحلة…
قص الرحالة حكايات رحلتهم الطويلة من منطقة إلى منطقة، ومن بلد إلى بلد… وكان قرارهم جميعاُ بأن بلدهم أحلى من جميع البلدان التي عاينوها…
قال الخوري: شكرا للرب. لقد وهبنا الله أحلى بلد بالدنيا…
قد نهاجر من بلدنا، لكن بلدنا يسكن فينا لا يتركنا…
كاتب القصة: عبده داود

أضف تعليق

Hey!

I’m Bedrock. Discover the ultimate Minetest resource – your go-to guide for expert tutorials, stunning mods, and exclusive stories. Elevate your game with insider knowledge and tips from seasoned Minetest enthusiasts.

Join the club

Stay updated with our latest tips and other news by joining our newsletter.

التصنيفات

الوسوم

روابط

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ